الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير
.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب، وَأوردهُ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي الْمُخْتَصر بِغَيْر إِسْنَاد وَلَا ذكر راو، وأسنده فِي الْأُم فَقَالَ: أَنا مَالك عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، لكنه قَالَ: «فضول المَاء» وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة ذكر أَن الْمُزنِيّ رَوَاهُ عَن الشَّافِعِي بالسند الْمَذْكُور، وَلَكِن بِلَفْظ: «لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ». قَالَ: أَخْرجَاهُ من حَدِيث مَالك، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَفِي لفظٍ آخر لَهما: «لَا تمنعوا فضل المَاء، لتمنعوا بِهِ الْكلأ». وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: «فضل الْكلأ» وَلابْن حبَان «لَا تمنعوا فضل المَاء، وَلَا تمنعوا الْكلأ فيهزل المَال ويجوع الْعِيَال». ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ- يَعْنِي: «لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ فضل الْكلأ»- وَكَذَا رَوَاهُ الزَّعْفَرَانِي فِي الْقَدِيم عَن الشَّافِعِي عَن مَالك: «لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ» وَأَخْطَأ فِيهِ الْكَاتِب فِي كتاب إحْيَاء الْموَات فَقَالَ: «من فضول المَاء...» إِلَى آخِره. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا لم يقْرَأ عَلَى الشَّافِعِي، وَلَو قرئَ عَلَيْهِ لغيره- إِن شَاءَ الله- ثمَّ حمله الرّبيع عَن الْكتاب عَلَى الْوَهم، وَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ فِي حَدِيث مَالك؛ إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا، وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن وَجه آخر عَن الْحسن عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، ويُشبه أَن يكون الشَّافِعِي ذكره بِبَعْض هَذِه الْأَسَانِيد، فَأدْخل الكتَّاب حَدِيثا فِي حَدِيث، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر- واللَّهُ أعلم- وَمَعْنَاهُ مَوْجُود فِي حَدِيث صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة... فَذكر حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ مَرْفُوعا: «ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله...» الحَدِيث بطُوله. قلت: حَدِيث عَمرو بن شُعَيْب، أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا لَيْث، عَن عَمرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من منع فضل مَائه أَو فضل كلئه، مَنعه الله- عزَّ وَجل- فَضله يَوْم الْقِيَامَة». وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من حَدِيث الْأَعْمَش عَن عَمْرو بِهِ، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن الْأَعْمَش إِلَّا جرير، وَلَا عَن جرير إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن، تفرد بِهِ عبيدُ الله بن جرير، وَلَا رَوَى عَن الْأَعْمَش حَدِيثا غير هَذَا عَن عَمرو بن شُعَيْب، وَلَا كتبناه عَن أَحْمد بن عبيد الله بن حريز بن جبلة. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث بشر بن عون، عَن بكار بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة مَرْفُوعا: «لَا تمنعوا عباد الله فضل المَاء، وَلَا كلأ وَلَا نَارا فَإِن الله جعلهَا مَتَاعا للمقوين وَقُوَّة للمستضعفين». و«بشر» هَذَا لَهُ نُسْخَة بَاطِلَة، عَن بكار بن تَمِيم، عَن مَكْحُول، وبكار لَا يُعرف، وَفِي سَماع مَكْحُول من وَاثِلَة خلاف. .الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ من هَذَا الْوَجْه، وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة؛ لَكِن من حَدِيث إِيَاس بن عبد، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ، وَذكره صَاحب الاقتراح وَقَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. هَذَا آخِرُ الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب- بِفضل الله وقوَّته. وَذكر فِيهِ من الْآثَار: «أنَّ عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اسْتعْمل عَلَى الْحمى مولَى يُقَال لَهُ: هُنَي، وَقَالَ: يَا هُنَي، اضمم جناحك للْمُسلمين، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم؛ فَإِنَّهَا مجابة، وَأدْخل ربَّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة، وَإِيَّاك ونَعَم ابْن عَوْف ونَعَم ابْن عَفَّان فَإِنَّهُمَا إِن تهْلك ماشيتهما يرجعان إِلَى نخل وَزرع، وَإِن رَبَّ الغُنَيْمة والصُّرَيْمة إِن تهْلك مَاشِيَته يأتيني بعياله فَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. لَا أَبَا لَك، لَا أَبَا لَك، فالماء والكلأ أيسرُ عليَّ من الذَّهَب وَالْوَرق، وَايْم الله، لَوْلَا المَال الَّذِي أجمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت عَلَى الْمُسلمين من بِلَادهمْ شبْرًا». هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن أسلم مولَى عمر «أَن عمر اسْتعْمل مولَى لَهُ يُدعَى هُنَيًّا عَلَى الْحمى...» فَذكره كَذَلِك، إِلَّا أَنه قَالَ بعد «وَايْم الله»: «إِنَّهُم لَيرَوْنَ أَنِّي قد ظلمتهم؛ إِنَّهَا لبلادهم؛ قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام، وَالَّذِي نَفسِي بيدهِ لَوْلَا المَال الَّذِي أحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت عَلَيْهِم من بِلَادهمْ شبْرًا». وَقَالَ فِي أوَّلِهِ «يأتيني بِبَيِّنَة» بدل: «عِيَاله». وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: «أَن عُمر اسْتعْمل مولَى لَهُ- يُقَال لَهُ: هُنَي- عَلَى الْحمى، فَقَالَ لَهُ: يَا هُنَي، ضُم جناحك للنَّاس، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم؛ فَإِن دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة». وَالْبَاقِي كَرِوَايَة الرافعيِّ، إِلَّا أَنه قَالَ: «وَإِن ربَّ الْغَنِيمَة يأتيني بعياله» بدل مَا ذكره الرافعيُّ، وَقَالَ: «يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ» مرَّتَيْنِ، وَقَالَ: «أَهْون عليَّ من الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم» بدل مَا ذكره الرافعيُّ، وَقَالَ: «وَايْم الله؛ لعَلي ذَلِك أَنهم لَيرَوْنَ أَنى قد ظلمتهم إِنَّهَا لبلادهم، وَلَوْلَا المَال...» إِلَى آخِره كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ. فَائِدَة: هُنَيّ بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا ضَبطه ابْن مَاكُولَا وَغَيره، قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: ورأيتُ بِخَط من لَا تَحْقِيق لَهُ: أَنه يُقَال أَيْضا بِالْهَمْز، قَالَ: وَهَذَا خطأ ظَاهر. وَمَعْنى «اضْمُمْ»: أَلِنْ. و«الصريمة» تَصْغِير الصرمة، وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل نَحْو الثَّلَاثِينَ. و«الْغَنِيمَة»: تَصْغِير الْغنم، مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْمِائَة من الشَّاة. وَقد أوضحت الْكَلَام عَلَى مَا فِي هَذِه الْأَلْفَاظ فِي تخريجي لأحاديث المهذَّب، فَرَاجعه مِنْهُ. وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا: أَن الْجُلُوس للْبيع وَالشِّرَاء والحرفة مَمْنُوع مِنْهُ فِي الْمَسْجِد، إِذْ حُرْمَة الْمَسْجِد تأبى اتخاذَه حانوتًا، وَقد رُوي عَن عُثْمَان: «أَنه رَأَى خَيَّاطًا فِي الْمَسْجِد يخيط فَأخْرجهُ». وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب قَالَ: «صليت الْعَصْر مَعَ عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَرَأَى خيَّاطًا فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فَأمر بِإِخْرَاجِهِ، فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه يكنس الْمَسْجِد ويغلق الْأَبْوَاب ويرش أَحْيَانًا. فَقَالَ عُثْمَان: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ». ذكره فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُجيب الْكُوفِي، قَالَ يَحْيَى: هُوَ كذَّاب، عَدو الله. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: مَجْهُول. وذَكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله وَنقل مقَالَة يَحْيَى فِي مُحَمَّد بن مُجيب، وَقَالَ ابْن عدي ثمَّ عبد الْحق: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف. قلت: و«مُحَمَّد بن مُجيب» هَذَا قد يشْتَبه بِمُحَمد بن محبب البصريِّ الدلاَّل، وَذَلِكَ ثِقَة، وَقد غلط ابْن الْجَوْزِيّ فِي إِيرَاده فِي الضُّعَفَاء، كَمَا نبَّه عَلَيْهِ فِي الْمِيزَان وَلَهُم ثَالِث اسْمه: مُحَمَّد بن محبب المصِّيصِي، ذكره ابْن أبي حَاتِم وبيَّض لَهُ، وَهُوَ مَجْهُول. .كتاب الْوَقْف: ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا: .أما الْأَحَادِيث: .أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن عبد الله بن عمر بن حَفْص، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَن عمر ملك مائَة سهم من خَيْبَر اشْتَرَاهَا، فَأَتَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت مَالا لم أصب مثله قطّ، وَقد أردْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَقَالَ: حَبِّس الأَصْل، وسَبِّل الثَّمَرَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من جِهَته، ثمَّ رَوَى مِنْ جِهَته أَيْضا عَن عُمر بن حبيب القَاضِي، عَن ابْن عون، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر: أَن عمر قَالَ: «يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت من خَيْبَر مَالا لم أصب مَالا قطّ أعجب إليَّ أَو أعظم عِنْدِي مِنْهُ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت حبست أَصله، وسَبَّلت ثمره. فَتصدق بِهِ عمر» ثمَّ حَكَى صدقته بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: عَن رجل عَن ابْن عون قَالَ: «فَتصدق بهَا عمر أَنه لَا يُباع أَصْلهَا، وَلَا يُوهب، وَلَا يُورث، وَيصدق بهَا فِي الْفُقَرَاء، وَفِي القُربى، وَفِي الرّقاب وَفِي سَبِيل الله، وَابْن السَّبِيل والضيف، لَا جنَاح عَلَى من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَو يُطعم صديقا غير مُتَمَوّل فِيهِ» قَالَ ابْن عون: فَحدثت بِهِ ابْن سِيرِين فَقَالَ: «غير متأثل مَالا». وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عون، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «أصَاب عمر أَرضًا بِخَيْبَر، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يستأمره فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبتُ أَرضًا بِخَيْبَر لم أصب مَالا قَطّ هُوَ أنفس عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرنِي بِهِ؟ فَقَالَ: إِن شِئْت حبست أَصْلهَا وتصدقت بهَا. قَالَ: فَتصدق بهَا عمر غير أَنه لَا يُباع أَصْلهَا، وَلَا يُبتاع وَلَا يُورث وَلَا يُوهب، فِي الْفُقَرَاء، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرّقاب، وَفِي سَبِيل الله، وَابْن السَّبِيل، والضيف، لَا جنَاح عَلَى من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَو يُطعم صديقا غير مُتَمَوّل فِيهِ». وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: «غير متأثل مَالا» قَالَ ابْن عون: وأنبأني من قَرَأَ هَذَا الْكتاب أَن فِيهِ: «غير متأثلٍ مَالا». هَذَا كُله سِيَاق مُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أصبت أَرضًا لم أصب مَالا أحب إِلَيّ وَلَا أنفس عِنْدِي مِنْهَا» وللبخاري: «فَتصدق بِهِ عمر، أَنه لَا يُبَاع أَصْلهَا، وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، فِي الْفُقَرَاء والقربى...» إِلَى آخِره. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: تصدق بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث، وَلَكِن ينْفق ثمره. فَتصدق بِهِ عمر...» الحَدِيث، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة: «أَن المَال يُقَال لَهُ: ثمغ، وَكَانَ نخلا». وللنسائي: «حبس أَصْلهَا، وسبل ثَمَرَتهَا» وَله: «كَانَ لي مائَة رَأس، فاشتريت بهَا مائَة سهم بِخَيْبَر من أَهلهَا، وَإِنِّي قد أردْت أَن أَتَقَرَّب بهَا لله- عَزَّ وَجَلَّ...» وَذكر الحَدِيث. وَذكر الرَّافِعِيّ بعد هَذَا: أَن هَذِه الْمِائَة سهم كَانَت مشاعة. وَلم أر فِي الحَدِيث تعرُّضًا لذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ ترْجم عَلَيْهِ بَاب وقف الْمشَاع. .الحديث الثانى: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا من ثَلَاث: إِلَّا من صَدَقَة جَارِيَة، أَو علم ينْتَفع بِهِ، أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ» وللنسائي وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خير مَا يخلف الرجل من بعده ثَلَاث: ولد صَالح يَدْعُو لَهُ، وَصدقَة تجْرِي يبلغهُ أجرهَا، وَعمل يعْمل بِهِ من بعده» وَلابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا- بِإِسْنَاد حسن أَكثر رِجَاله رجال الصَّحِيح- قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن مِمَّا يلْحق الْمُؤمن من عمله وحسناته بعد مَوته، علما ينشره وَولدا صَالحا يتْركهُ، ومصحفًا وَرثهُ، أَو مَسْجِدا بناه، أَو بَيْتا لِابْنِ السَّبِيل بناه، أَو نَهرا أجراه، أَو صَدَقَة أخرجهَا من مَاله فِي صِحَّته وحياته تلْحقهُ بعد مَوته». وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظ: «سَبْعَة يجْرِي عَلَى العَبْد أجرهن بعد مَوته فِي بره: من علمَّ علما، أَو أكرَى نَهرا، أَو حفر بِئْرا، أَو غرس نخلا، أَو بنى مَسْجِدا، أَو ورث مُصحفا، أَو ترك ولدا يسْتَغْفر لَهُ». مَعْنَى «أكرَى نَهرا»: حفره، وَذكره فِي الصحَّاح بِحَذْف الْألف، وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي فعلت وأفعلت: إِنَّه بإثباتها: الْإِجَارَة، وبحذفها: الْحفر. .الحديث الثَّالِث: هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر عَلَى الصَّدَقَة، فَقيل: منع ابْن جميل وخَالِد بن الْوَلِيد وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا ينقم ابْن جميل إِلَّا أَنه كَانَ فَقِيرا فأغناه الله، وَأما خَالِد فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا؛ فَإِنَّهُ قد احْتبسَ أدراعه وأعتاده فِي سَبِيل الله، وَأما الْعَبَّاس فَهِيَ عليَّ وَمثلهَا مَعهَا. ثمَّ قَالَ: يَا عمر أما شَعرت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه؟!». وَرِوَايَة البُخَارِيّ: «أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة فَقيل: منع ابْن جميل...» وَذكر الحَدِيث وَقَالَ: «أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله» وَفِيه «وَأما الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمُّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا». فَائِدَة: أعتده: رُوي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالمثناة فَوق، كَمَا أوضحته فِي شرح العُمْدة بِزِيَادَة فَوَائِد. .الحديث الرَّابِع: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، ذكره البُخَارِيّ فِي موضِعين من صَحِيحه بِغَيْر إسنادٍ: أَحدهمَا: فِي بَاب من رَأَى صَدَقَة المَاء جَائِزَة، وَلَفظه فِيهِ: قَالَ عُثْمَان: قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من يَشْتَرِي بِئْر رومة، فَيكون دلوه فِيهَا كدلاء الْمُسلمين؟ فاشتراها عُثْمَان». ثَانِيهمَا: فِي أثْنَاء الْوَقْف، وَلَفظه فِيهِ: عَن عبد الرَّحْمَن: «أَن عُثْمَان حِين حوصر أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله وَلَا أنْشد إِلَّا أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة. فحفرتها» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَدِمَ الْمَدِينَة وَلَيْسَ بهَا مَاء يُستعذب غير بِئْر رومة، فَقَالَ: من يَشْتَرِي بِئْر رومة، فَيجْعَل فِيهَا دلوه مَعَ دلاء الْمُسلمين، بِخَير لَهُ بهَا فِي الْجنَّة؟ فاشتريتها من صلب مَالِي» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. فَائِدَة: بِئْر رومة- بِضَم الرَّاء الثَّانِيَة- كَانَت ركية بِالْمَدِينَةِ ليهودي يُقَال لَهُ: رومة. قَالَ الْبكْرِيّ فِي أماكنه وَقَالَ صَاحب المستعذب: ليهودي يَبِيع للْمُسلمين ماءها، يُقَال: إِنَّه أسلم. حَكَاهُ ابْن مَنْدَه، قَالَ: وَهُوَ رُومة الْغِفَارِيّ، فاشتراها عُثْمَان، وَفِي مِقْدَار مَا اشْتَرَاهَا بِهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه عشرُون ألفا؛ أسْندهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَقَالَهُ الْبكْرِيّ فِي أماكنه وأسنده أَيْضا أَبُو نعيم، وَأَنه اشْتَرَى النّصْف الأول بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم، وَالْآخر بسبعمائة. ثَانِيهَا: أَنه خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم. قَالَه الْحَازِمِي فِي مؤتلفه قَالَ: «وَكَانَ يَبِيع مِنْهَا الْقرْيَة بِالْمدِّ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: بعنيها بِعَين فِي الْجنَّة. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ لعيالى غَيرهَا؛ لَا أَسْتَطِيع ذَلِك. فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فاشتراها بذلك» وَأخرجه كَذَلِك الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه سَوَاء، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: «ثمَّ أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَتجْعَلُ لي مثل الَّذِي جعلت لَهُ، عينا فِي الْجنَّة إِن اشتريتُها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: قد اشْتَرَيْتهَا وجعلتها للْمُسلمين». ثَالِثهَا: أَنه اشْتَرَى النّصْف الأول بِمِائَة بكرَة، وَالْبَاقِي بِشَيْء يسير. أسْندهُ ابْن النجار فِي كِتَابه الدرة الثمينة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة من حَدِيث الزبير بن بكار، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن إِسْحَاق بن عِيسَى، عَن مُوسَى بن طَلْحَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «نعم الحفيرة حفيرة المري- يَعْنِي: رُومة- فلمّا سمع بذلك عثمانُ ابْتَاعَ نصفهَا بِمِائَة بكرَة، وتصدَّق بهَا، فَجعل النَّاس يستقون مِنْهَا، فلمّا رَأَى صَاحبهَا أَن قد امْتنع مِنْهُ مَا كَانَ يُصِيب عَلَيْهَا، بَاعَ من عُثْمَان النّصْف الْبَاقِي بِشَيْء يسير، فَتصدق بهَا كلهَا». رَابِعهَا: أَنه اشْتَرَاهُ بأربعمائة دِينَار. قَالَه ابْن سعد، حَكَاهُ صاحبُ التنقيب. .الحديث الخَامِس: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سبق بَيَانه فِي التَّيَمُّم، فَرَاجعه من ثمَّ. .الحديث السَّادِس: هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أوَّلَ الْبَاب. .الحديث السَّابِع: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي أثْنَاء حديثٍ طويلٍ يتَضَمَّن الصُّلْح بَين الْحسن بن عليّ وَمُعَاوِيَة، من حَدِيث أَبَى بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمِنْبَر، وَالْحسن بن عَلّي إِلَى جنبه، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاس مرّة وَعَلِيهِ أُخْرَى، وَيَقُول: إِن ابْني هَذَا سيدٌ، وَلَعَلَّ الله أَن يُصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين». هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب. .وأمّا آثاره: .أَحدهَا: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي طَلْحَة: «أَنه أوقف بيرحاء». قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: وَلَقَد بَلغنِي أَن أَكثر من ثَمَانِينَ رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار تصدَّقوا صدقَات مُحرمَات موقوفات. .ثَانِيهَا: وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بإسنادٍ صَحِيح، من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد عَن صَدَقَة مطولا، وَلَفظه: «تليه حَفْصَة مَا عاشت، ثمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْي من أَهلهَا، أنْ لَا يُبَاع وَلَا يُشْتَرَى، يُنْفِقهُ حَيْثُ رَأَى من السَّائِل والمحروم وَذَوي القربي، وَلَا حرج عَلَى من وليه إِن أَكَل أَو آكل، أَو اشْتَرَى رَقِيقا مِنْهُ». .ثَالِثهَا: وَهَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ عَن عمِّه مُحَمَّد بن عَلّي بن شَافِع، أبنا عبد الله بن الْحسن، عَن غير وَاحِد من أهل بَيته وَأَحْسبهُ قَالَ زيد بن عَلّي «أَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَصَدَّقت بمالها عَلَى بني هَاشم وَبني الْمطلب، وَأَن عليًّا تصدق عَلَيْهِم، وَأدْخل مَعَهم غَيرهم». .رَابِعهَا: هَذَا، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء الْبَاب: أَن الْوَقْف عَلَى الْمَسَاكِين، وفِي سَبِيل الله، وَالْعُلَمَاء والمتعلمين والمساجد والمدارس والقناطر صحيحٌ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا النَّحْو جرت أوقاف الصَّحَابَة. .كتاب الهبات: ذكر فِيهِ من الْأَحَادِيث ثَلَاثَة عشر حَدِيثا: .أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث أوردهُ صَاحب المصابيح وَقَالَ: إِنَّه صَحَّ عَن عَائِشَة... فَذكره مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَذكره ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي علله من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد النُّور الْكُوفِي، عَن أبي يُوسُف الْأَعْشَى، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَنه قَالَ: «تُخرج الضغائن من الْقُلُوب». ثمَّ قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. وَأعله بِأَحْمَد بن الْحسن الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بدبيس الرَّاوِي عَن مُحَمَّد بن عبد النُّور، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث الشهَاب: حَدِيث «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب بالضغائن» رَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد النُّور، عَن أبي يُوسُف الْأَعْشَى، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، وَتفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبد النُّور عَن أبي يُوسُف يَعْقُوب بن خَليفَة الْمُقْرِئ، والْحَدِيث عِنْد غَيره عَن أبي حَفْص الْأَعْشَى عَمرو بن خلف، وهوبة أليق، وَابْن عبد النُّور وَهِمَ فِيهِ، والْحَدِيث عَن هِشَام لَا أصل لَهُ. قلت: وَرُوِيَ من طرق أُخْرَى: إِحْدَاهَا: من حَدِيث أنسٍ- رَفعه-: «يَا معشر من حضر، تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة قلت أَو كَثُرت تُذهب السخيمة، وتُورث الْمَوَدَّة». رَوَاهُ ابْن حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء ثمَّ قَالَ: عَائِذ بن شُرَيْح الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، قَلِيل الحَدِيث، وَمِمَّنْ يُخطئ عَلَى قلته حَتَّى خرج عَن حدّ الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَأورد لَهُ هَذَا الحَدِيث فِي جملَة مَا يُنْكر عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشهَاب: هَذَا الحَدِيث يُعْرف بعائذ بن شُرَيْح عَن أنس، وَرَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات والضعفاء. ثمَّ نقل كَلَام ابْن حبَان فِي عَائِذ قَالَ: وَرَوَاهُ كوثر بن حَكِيم عَن مَكْحُول أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل. الطَّرِيق الثانى: طَرِيق مَكْحُول هَذِه، وَقد ظهر لَك، وهنها. الطَّرِيق الثَّالِث: طَرِيق ابْن عمر رَفعه: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب الغِلَّ». رَوَاهُ ابْن حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أبي الزُّعيزعة الْأَذْرَعِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، رَفعه: «تصافحوا؛ فَإِن التصافح يُذهب السخيمة، وتهادوا...» الحَدِيث. قَالَ: وَمُحَمّد هَذَا كَانَ مِمَّن يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير، حَتَّى إِذا سَمعهَا مَنِ الحَدِيث صناعته عَلِمَ أَنَّهَا مَقْلُوبَة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. ثمَّ ذكر بعده مُحَمَّد بن أبي الزعيزعة آخَرَ لَيْسَ فِي طبقَة هَذَا، ووهاه، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي الأول: إِنَّه دجَّال من الدجالين يروي الموضوعات. وَالَّذِي رأيتُه فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء مَا أسلفته، وَسَأَلَ ابْن أبي حَاتِم أَبَاهُ عَن هَذَا الحَدِيث؛ فَقَالَ: حَدِيث مُنكر. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لأجل الْأَذْرَعِيّ هَذَا، وَقد قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: إِنَّه مُنكر الحَدِيث جدًّا، لَا يُكتب حَدِيثه. الطَّرِيق الرَّابِع: طَرِيق أبي هُرَيْرَة، رَفعه: «تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تُذهب وَحْرَ الصُّدُور». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه من حَدِيث نجيح أبي معشر السِّندي، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه. وَقد تكلم بعض أهل الْعلم فِي أبي معشر من قبل حفظه. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نجيح هَذَا ضَعِيف، وَمِنْهُم من يوثقه، فَالْحَدِيث من أَجله حسن. وَقَالَ عبد الْحق فِي حَدِيث «لَا تَقولُوا رَمَضَان» من ضعفه أَكثر مِمَّن وَثَّقَهُ، وَمَعَ ضعفه يُكتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي الْكتاب السالف: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد، عَن رجل، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ غير ثَابت، وَالرجل الَّذِي كفَّ عَنهُ اللَّيْث هُوَ: أَبُو معشر السندي، وَهُوَ ضَعِيف. الطَّرِيق الْخَامِس: طَرِيق زعبل- بالزاي وَالْبَاء بعد الْعين يرفعهُ: «تزاوروا وتهادوا؛ فَإِن الزِّيَارَة تنْبت الود، والهدية تُذهب السخيمة». رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث مُسلم بن إِبْرَاهِيم، عَن الْحَارِث بن عبيد أَبُو قدامَة عَنهُ، والْحَارث هَذَا لَيْسَ بالقويّ، وَهُوَ يروي عَن التَّابِعين، وَلَا أعلم ذكر هَذَا فِي الصَّحَابَة عَن غير أبي مُوسَى، وَالظَّاهِر أَنه تَابِعِيّ. الطَّرِيق السَّادِس: طَرِيق عصمَة بن مَالك الخطمي مَرْفُوعا: «الْهَدِيَّة تذْهب بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر». ذكره صاحبُ الشهَاب وَقَالَ ابْن طَاهِر: فِي إِسْنَاده ضعيفان. فَهَذِهِ طرق الحَدِيث، وأقواها رَابِعهَا، وَالْبَاقِي شَاهد لَهُ.
|